أخبار مصرأهم الاخباراسليدرالأدب و الأدباءالثقافة

النقد العربي المعاصر, الدكتور عزوز علي إسماعيل “النقد يحتاج إلى حرب لإظهار قيمته”

جريدة العرب اللندنية, الشعر العربي حكاية فما الغرابة في أن تصبح الرواية ديوان العرب؟

احجز مساحتك الاعلانية

عزوز علي إسماعيل لـ”العرب”:

النقد يحتاج إلى حرب لإظهار قيمته

◙ الشعر العربي حكاية فما الغرابة في أن تصبح الرواية ديوان العرب؟

◙ الخروج من الأكاديميات أمر ضروري حتى لا ينحصر النقد في الجامعات دون أن يعرف الكتاب والشعراء عنه شيئا

◙ أولى القرارات الواجبة لإصلاح أحوال الثقافة في مصر هي عودة الثقافة الجماهيرية وتنشيط قصور الثقافة كي نعيد بث الروح الوطنية

كتب محمد شعير

القاهرة- النقد إبداع مواز للأدب، يفسر النص الأدبي ويرفع الغطاء عن أسراره، بما يلقيه من إضاءات كاشفة تنير للقارئ دروبه ومسالكه، سواء في العمل الذي يقرأه أو في قراءاته المقبلة، فيتعلم عندئذ كيف يقرأ وحده ويفهم ويشعر ويتذوق، لكن النقاد الحقيقيين ليسوا كثرا، وكثيرا ما يقال إن النقد في أزمة، ما انعكس على كل أطراف ومراحل العملية الإبداعية، كتابةً وقراءةً ونقدًا، فهل من سبل للحل وما أسباب الأزمة من الأصل؟

الأكاديمي المصري عزوز علي إسماعيل أستاذ الأدب والنقد والبلاغة، ناقد جاد وجريء، بما يثيره من موضوعات في دراساته النقدية المهمة، وما يصرح به من آراء تشتبك مع واقع النقد والإبداع بصراحة، يحركه ضميره ورغبته في تقديم شيء حقيقي إلى قارئ نهم للمعرفة، خارج غابة الرموز والألغاز، والمصطلحات والمجاملات.

النقاد يتوارون خجلا

في حوار سابق لـ”العرب” اعتبر الناقد الكبير الأكاديمي حسين حمودة أن النقد الأدبي معزول خلف أسوار الجامعة وداخل سجن المصطلحات، فضلا عن أزمة نشر النقد بالطبع. سألت الأكاديمي عزوز علي إسماعيل عن واقع النقد الأدبي حاليا في مستهل حواره لـ”العرب” فأجاب.

يرى الناقد المصري أن الخروج من نطاق الأكاديميات صار أمرا ضروريا حتى لا ينحصر النقد في أروقة الجامعات دون أن يعرف الكتاب والشعراء عنه شيئا، فهناك من الكُتاب من يحرص على قراءة النقد والاستماع إلى النقاد، وهناك ندوات تُعقد ومناقشات تجري، وهناك أيضا من النقاد من يستخدم “كليشيهات معلبة” دون أن ينزل إلى مستوى القارئ أو المتلقي “وهو ما قصده أستاذنا حسين حمودة”، كما يعتقد عزوز إسماعيل.

لذلك، فهو يعتبر أن النقد ليس في أزمة، بل الأزمة الحقيقية أن هناك من يمارس النقد وهو ليس ناقدا، ولا يمتلك مؤهلات النقد كعلم له أصول وقواعد، فيجلس على المنصات ليتناول رواية بالنقد والتحليل ويقدم نقدا لحظيا انطباعيا، كحال بعض الكتابات الصحفية السريعة إذ يذكر الكاتب انطباعه حول رواية أو ديوان شعر حتى وإن لم يقرأها كاملة، ما يسيء لجهود عمالقة النقد الأدبي ويجعل الكثيرين من النقاد الحقيقيين يتوارون خجلا مما يرونه ويسمعونه فيبتعدون عن ساحات الندوات والملتقيات الخاصة ويسجنون أنفسهم داخل أسوار الجامعات.

“لكنني لست معهم في هذا على الإطلاق”، يبدأ الناقد عزوز علي إسماعيل مواجهاته في حديثه لـ”العرب” مبكرا، فيؤكد أن الأمر يحتاج إلى حرب حقيقية لإظهار قيمة النقد لتفسير النصوص ومعرفة الجيد من الرديء، ويأسف لأن هناك من لم يقرأ كتابا في النقد ويطلق عليه البعض “الناقد فلان”، ويقول إنه شخصيا برغم كونه الأكاديمي المتخصص لم يجرؤ على الكتابة في النقد إلا بعد قراءة ما لا يقل عن ثلاثمئة كتاب، حتى يتحدث من فوق أرض صلبة.

وعاد الناقد المصري مؤخرا من زيارة للجزائر لحضور ملتقى دولي ضم علماء من مختلف جامعات العالم، وألقى عددا من المحاضرات هناك لطلاب الدكتوراه، ووجد بعضهم يفتخر باقتناء مؤلفاته وأبحاثه العلمية، ومنها “المعجم المفسِّر لعتبات النصوص” الذي نال اهتماما كبيرا وتم تكريمه عنه في المركز الثقافي الكندي بمصر.

بعد صدور كتاب “عتبات النص في الرواية العربية” عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ألحت عليه فكرة أن يكون هناك معجم يخدم النقاد والباحثين والفنانين عن النص الموازي، أو ما يعرف بعتبات النصوص، التي يجب دراستها ومعرفة كل عتبة منها للإفادة في سبر أغوار النص، لا سيما في ظل قلة التعريفات الواردة في المعاجم الأدبية عنها.

ما هي عتبات النص؟

يشرح الناقد عزوز علي إسماعيل موضحا أن عتبات النص هي نص موازٍ للعمل، وينقسم إلى قسمين، داخلي وخارجي، فالنص الموازي الداخلي مثل العنوان والغلاف والإهداء والاستهلال والمقدمة والتوطئة والتصدير والاقتباس والجمل المفتاحية والجمل الخواتيم والهوامش والتذييلات والتعليق، وهناك النص الموازي الخارجي المتمثل في الكتابات الصحفية والتقارير عن العمل واللقاءات مع المؤلف أو ما يكتبه الآخرون عن النص.

“هذه كلها عتبات نصية عن العمل”، كما يقول إسماعيل، سواء أكان العمل رواية أم شعرا أم مسرحية أم لوحة فنية أم أي فن؛ فاللوحة نص والخريطة نص والمسرح نص، وكذلك المقالة والمقطع الموسيقي والسيمفونيات والبرديات القديمة والأحجار المدون عليها منذ القدم، كما أن حجر رشيد نص له عتباته التاريخية الفارقة.

هذه العتبات نتخطاها لنعرف كنه النص وأسراره، فهي مجموعة من النوافذ والتنبيهات والخادمات والإضاءات والمقدمات التي تفضي إلى نتائج حتمية، وهي الرسائل التي تطوف باستمرار حول جسد النص، ومن خلالها نسعى إلى فهمه وفك شيفراته وطلاسمه.

وردا على سؤال “العرب” حول جدل الشعر والرواية وأيهما الأحق بأن يكون “ديوان العرب”، يتعجب عزوز علي إسماعيل من الذين يستكثرون على الرواية أن يكون لها زمن، وفقا لمقولة الناقد الراحل جابر عصفور في كتابه “زمن الرواية”، قائلا “لقد نسوا أن الشعر العربي في أصله رواية، إذا ما عدنا إلى تاريخ المعلقات القديمة وكيف كانت تحكي بطولات القبيلة، ولو نظرنا إلى الملاحم الكبرى كالإلياذة والأودسة لهوميروس والشاهنامة للفردوسي فهي في أساسها تحكي قصة أو رواية”.

كما يتعجب من أن هؤلاء يدركون حقيقة أن الشعر العربي ظل مهيمنا على الساحة الأدبية لما يزيد عن خمسة عشر قرنا من الزمان، منذ ما قبل ظهور الإسلام بقرنين وحتى بدايات القرن الماضي، وفي تلك الحقبة ظلت مقولة “الشعر ديوان العرب” هي الوسام على الصدور، إلى أن جاءت الرواية لتهز عرش ذلك المارد الأدبي القوي” وتضيف مقولة “إن الرواية هي الأخرى ديوان العرب”.

ويدلل على ذلك بالإبداعات المتوالية للرواية العربية التي لا يمكن الآن حصر الأعداد الغزيرة منها، فلا يكاد يمر شهر إلا ونجد أعمالًا إبداعية غاية في الجمال والروعة تنم عن عقليات عربية متفتحة، مشيرا إلى أن حصول أديب مصر والعالم العربي نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الآداب أكد على وجود الرواية العربية بقوة، ما شجع الكُتاب على شحذ أقلامهم للكتابة الروائية، فظهرت المئات من الأعمال الروائية في مختلف أقطار الأمة العربية.

“شعرية الرواية” و”الرواية الرسائلية والرسالة الروائية” و”آليات الإبداع في السرد الروائي”، بعض من عناوين كتب ودراسات الأكاديمي عزوز علي إسماعيل. وبينما يشهد الواقع العربي حاليا أزمات متعددة، شردت البشر وهدمت الحجر، وأسالت الكثير من الدماء، فإن السؤال هو: هل يحتاج أدبنا الآن إلى الواقعية بشكل أكبر ليعبر عن مشاكله أم أن الواقعية السحرية والمدارس الحداثية تعد أكثر مناسبة للتعبير عن عبثية الواقع العربي؟ تسأل “العرب” الناقد المصري.

ويجيب قائلا إن عبثية الواقع تحتم أن نرى أعمالا متنوعة على جميع الأصعدة، لأننا لا نحجر على الكُتاب حقهم في كتاباتهم، لكن بصفة عامة يكون هناك اتجاه عام عند البعض على هيئة مدارس، فهناك من يميل إلى الواقعية السحرية كما في كتابات الأكاديمي محمد المخزنجي وغيره، وهناك من يميل إلى كتابات الواقعية خاصة تلك التي تتناول السير الذاتية أو السير الغيرية.

الألم في الرواية

للأكاديمي عزوز علي إسماعيل كتاب مهم بعنوان “الألم في الرواية العربية”، أحدث ضجة ولقي اهتماما كبيرا لما حواه من دراسات حول أكثر من مئة رواية سواء أكانت سيرا ذاتية أم غيرية، ما فتح أمام الباحثين آفاقا واسعة للبحث والتنقيب في هذا المجال، فبدأت بعده دراسات حول الألم في القصة القصيرة وفي المسرح العربي وغيرها.

ووصل الأمر إلى مجال الطب، فقادت دراسته ضمن الكتاب حول رواية “القلب البديل” للكاتب العراقي محمود جاسم النجار طالبة دكتوراه في كلية الطب بجامعة الزقازيق بمصر إلى محاولة الإجابة عن الأسئلة التي طرحها في الدراسة ووقف عندها الأدب متحيرا، “هل من الممكن في حالة زرع قلب بديل أن يتغير الشعور والإحساس بالآخرين؟ هل تتغير الطباع؟ وهل العقل في القلب أم في الرأس، امتثالاً لقول الحق تبارك وتعالى: “لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا”؟ وأين هي مواطن التعقل في القلب؟”.

ويعلق قائلا إن هذا الأمر محل بحث علمي جاد، وعلى الأطباء أن يخبرونا بماهية القلب ودوره في علاقته بالعقل، وما إذا كان كل ما عرفناه سابقا من أن العقل في الرأس هو محض افتراء. ومن هنا فإن تناول الواقعية بشكل صحيح في الأدب يساعد في تطور النقد بشكل علمي.

عمل الناقد المصري محكما في جوائز أدبية عديدة، منها جوائز الدولة وأخرى داخل مصر وخارجها، وبرغم ذلك لم يمتنع عن الرد بجرأة وصراحة على سؤال “العرب” حول الجدل الذي يثار دائما حول الجوائز بشكل عام، موضحا في البداية أن عمله في هذا المجال “أتعبه كثيرا”.

وقال “بالطبع هناك معايير فنية مهمة لكل جائزة، أهمها الإبداع الحقيقي للكاتب شريطة أن يكون لديه اتكاء على التراث، لأن من ليس له ماض ليس له حاضر أو مستقبل”، لكنه يشير إلى أن المعايير الأخرى غير الفنية تخضع لقوانين الجائزة التي يسير عليها البعض ممن يحكمون الجوائز، بمعنى أن كل جائزة لها ترتيبات خاصة وقد تضر بالجائزة أحيانا.

“يؤسفني أن هناك محسوبيات عديدة في الجوائز”، يقول عزوز علي إسماعيل، معربا عن تفاجئه بحصول “السيدة فلانة” على إحدى جوائز “بير السلم” (أي جائزة مجهولة)، لتقوم الدنيا بعدها ولا تقعد من أجلها، ويتبارى الناس في التعليقات برغم أن العمل قد يكون الأول أو الثاني لها. “لا أدري كيف يكون التكريم لشخصية لم تقرأ في حياتها كتابا أو رواية أو ديوانا وهو ما يظهر من قراءة العمل بما فيه من سطحية في الكتابة، والأمثلة كثيرة فلا داعي إلى ذكر الأسماء”.

ويضيف أن البعض قد ينظر إلى سن المتقدم للجائزة، ويقولون إننا نريد أن نكرمه قبل أن يموت. فلماذا لا تكرمه الدولة في المجالس الثقافية التي تصنعها دون الحاجة إلى جائزة تنفق عليها ملايين الجنيهات؟ ويقول “لي أستاذ له فضل عظيم على آلاف الطلاب من حملة الماجستير والدكتوراه، وله أكثر من خمسين مؤلفا في الأدب والنقد، وحتى الآن لم تكرمه أي جهة رسمية”.

لسنوات قدم الناقد عزوز علي إسماعيل للتليفزيون أكثر من خمسمئة حلقة وآلاف الحلقات في الإذاعة المصرية، بهدف تقريب الثقافة والأدب والتراث من الناس، وآخر برامجه كان في شهر رمضان الماضي على إحدى القنوات الفضائية المصرية بعنوان “بين الأدب والدراما”، وبرنامج إذاعي حمل عنوان “حكاوي الشكمجية”.

في ختام حواره لـ”العرب”، سألته عن أحوال الثقافة في مصر وأداء وزيرها وأولى القرارات المهمة لإصلاحها من وجهة نظره، فبدأ إجابته بأن وزارة الثقافة المصرية تحتاج إلى أشخاص يكونون في الأساس معنيين بالثقافة والعمل بها، “أما عن وزير الثقافة الحالي فلا أعلم عنه شيئا، ربما جهلا مني، لكني لم أر له عملا ثقافيا أو أمسية أو مشاركة في ندوة من ندوات المجتمع المدني حول الثقافة أو في مناقشة كتاب أو لقاء تليفزيوني قبل أن يصبح وزيرا. لم أر ذلك”.

ويؤكد أن أولى القرارات الواجبة لإصلاح أحوال الثقافة هي عودة الثقافة الجماهيرية وتنشيط هيئات قصور الثقافة البالغ عددها أكثر من 570 قصرا في مختلف ربوع مصر وقد أصبحت أماكن ينعق فيها البوم، كي نعيد بث الروح الوطنية التي افتقدناها من خلال عرض مسرحيات وطنية على مسارح تلك الدور، “وهناك أفكار كثيرة وأشياء يمكن أن تقال، وأشياء أخرى من الأفضل أن تكون من الأسرار، إلى أن يأذن الله”.

احمد فتحي رزق

المشرف العام

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى